المبعث النبوي الشريف التغيير الإلهي العظيم.
واقع- 8-2-2024م.
يعدّ يوم السابع والعشرين من رجب يوم التحوّل الكبير والضياء العظيم بعد أن غرقت البشرية بظلام الجاهلية وسديم الأهواء النفسانية فقد ظهر نبي الرحمة محمد صلّى الله عليه وآله من وسط تلك الأجواء المشحونة بالتباغض , والكراهية , وعبادة الأصنام , ووأد الإنسان, فقد كان الرجال يقتلون في الغزوات بين القبائل بدم بارد , وكانت البنت تدفن حيّة ليس لسبب سوى التعصب وتوهم العار ,
لم تكن الجاهلية ترى غزو القبائل الأخرى وقتل رجالهم وسلب أموالهم واغتصاب نسائهم عارا فيما تنظر الى بنت مخلوقة بريئة على أنها تمثل العار ويجب أن تدفن حيّة.
كان العرب آنذاك يعبدون آلهة من تمر يصنعونها بأيدهم ثم يأكلونها إذا جاعوا , وآلهة أخرى من أشياء شتى تبول عليها الثعالب حتى أغرى هذا المشهد أحد شعرائهم للتندر عليه حينما رأى ثعلبا يبول على ربّهم فقال:
رب تبول الثعلبان برأسه …….. قل ذلّ من بالت عليه الثعالب.
في مثل هذه الأجواء انبثق نور الهداية لتتخلص البشرية -التي كانت الجزيرة العربية تمثل مهد التغيير فيها – من كوابيس القتل العشوائي وأكل الجرابيع وعبادة الأصنام الى عبادة الله الواحد الأحد حينما نزل جبرائيل بالبيان الأول من الله تعالى:
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ
روى الشيخ المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد بن الحسن الجوهري ، عن الاشعري ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
في اليوم السابع والعشرين من رجب نزلت النبوة على رسول الله صلى الله عليه وآله قال علي بن محمد عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك التجارة إلى الشام ، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغد وكل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله ، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ، ويعبد الله حق عبادته ، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لابواب السماء ففتحت ومحمد ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه وقال : يا محمد اقرأ ،
قال : وما أقرأ ؟ قال يا محمد ” اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم ” ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عزوجل ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلى الله عليه وآله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ماركبه الحمى والنافض يقول وقداشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون ، وإنه يعتريه شياطين ، وكان من أول أمره أعقل خلق الله ، وأكرم براياه ، وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم ، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ، ويشجع قلبه ، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر.
وكلما وصل إلى شئ منها ناداه : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله أبشر ، فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك و زينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإن الفاضل من فضله رب العالمين ، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ، ويرفعك إلى أرفع الدرجات ، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب ، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك : علي بن أبي طالب ، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة ، وسوف يخرج منها ومن علي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي ، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد ، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم ، فقلت في سري : يا رب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به ؟ – وذلك بعد ما ولد علي عليه السلام وهو طفل – ، أهو ولد عمي .
وقال بعد ذلك لما تحرك علي وليدا وهو معه : أهو هذا ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال ، فجعل محمد في كفة منه ، و مثل له علي عليه السلام وسائر الخلق من امته إلى يوم القيامة في كفة فوزن بهم فرجح ، ثم اخرج محمد من الكفة وترك علي في كفة محمد التي كان فيها فوزن بسائر امته فرجح بهم وعرفه رسول الله بعينه وصفته ونودي في سره : يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي الذي أؤيد به هذا الدين ، يرجح على جميع امتك بعدك ، فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة ، وخفف عني مكافحة الامة ، وسهل علي مبارزة العتاة الجبابرة من قريش.