النجف الاشرف- واقع.
11 شعبان- 1445.
22 شباط- 2024.
شهدت المكتبة الأدبية في النجف الاشرف مناقشة عاصفة تجاه ماعرضه الباحث الاستاذ الدكتور الدكتور حسن عبد الغني الاسدي الأستاذ في جامعة كربلاء في مشروعه الجدلي ( منهج المدونة المغلقة والتأسيس لمنهج تفسير القرآن بالقرآن).
ولخص الدكتور الأسدي مشروعه بأن المدونة المغلقة مصطلح نطلقه على المنهج الإجرائيّ لفهم النّصوص المكتوبة. ولا سيّما تلك التي تمتلك استقلالا تدوينيّا واضحًا، بأن يُعطَى المدوّنُ أنْ يتحدث عن نفسه، ويحدد كيفيّة هذا الإعطاء. وهذه السمة مرتكز هذه المنهجيّة فترفض الأفكار المسبقة التي قد تهيمن على فهمنا للمدوّن باتِّجاهٍ يتوافق مع ما كان سلفاً، أو ما كان خارج المدوّن مقحماً عليه ونحو ذلك. وهذا الغلق الذي يُتَّخّذ ههنا في دراسة النصوص المكتوبة وتحليلها يمكن أن نشبهه بتعامل عالم الآثار مع القطع الأثريّة من بعض الحضارات القديمة، فـ(( ليس لدى عالم الآثار هذا لتحديد هويّة ذلك الأثر الحضارية ودلالته إلا نظرته الفاحصة إليه فيبحث فيما اشتمل عليه من خطوط أو زخارف وفي المادة التي صنع منها وفي هيأته الخارجية. مع الأخذ بنظر الاعـــتبار المكان الذي وجده فيه. ومن ثمَّ يستطيع -في ضوء خبرته الآثاريّة -أن يرسم لنا صورة تمثّل الجوانب المختلفة للحضارة التي أبدعت تلك الزخرفة أو كتبت ذاك الرُّقم أو صنعت ذاك الخاتم وبحسب ما يزوّده به ذلك الأثر. إذ ليس له أن يدَّعي شيئاً لا دليل له عليه من هذا الأثر بل إنّ تمسكه بحرفيّة منهجه هذا يعدّ عاملاً فعّالاً لثقته بما توصل إليه)).
فمنهج المدوّنة المغلقة الذي ننوّه به ههنا وفي دراساتنا اللغوية عامّة يستمدّ روحيّة هذا النهج الآثاريّ لقراءة غير منحازة بل حياديّة؛ لا لأننا ننظر الى القرآن الكريم بوصفه قطعة أثريّة بل لأنّه نصّ مؤسِّس لحياة المجتمعات، وهو الرائد التّي ينبغي لنا أنْ نسير بظله، وأن يسبقنا بالقول، ونكون له تابعين ولمعارفه مسلِّمين، لذا كان علينا أن نحترز من أن نقحم عليه أفكارنا وتصوّراتنا التي أسسناها لنا، أو أُسست لنا بفعل تراكمات وتوجهات مختلفة، على مدى عصور متمادّة وإنجازات بشريّة اكتسبت طابعًا مقدّسًا حاكمًا.
ومما يعضّد تبعيّة غير القرآن له ومن ثمّ تبعية عموم المفاهيم الإسلامية للقرآن ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله: ((اعرضوا حديثي على كتاب الله فإن وافقه فهو مني وأنا قلته)).
ومن طريق أهل البيت، ما رواه السكوني عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام):((… قال رسول الله(صلى الله عليه وآله ): إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه)).
وقال صاحب بحار الأنوار: ((وقد رُوِىَ عينُ هذا الأثر عن عليّ وقول الباقر وابنه الصادق لبعض أصحابهما: لا تصدِّقْ علينا إلاّ بما يوافق كتاب الله وسنة نبيّه. وقول الصّادق: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف، وقوله: كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسّنة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف، وقوله: ما أتاكم عنّا من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل، وقوله (عليه السلام) إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله(ص) وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به. وقوله لمحمد بن مسلم: يا محمّد ما جاءك من رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك من رواية من برّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به)).
وهي أحاديث واضحة في الدلالة على أننا يجب أن نمتلك فهم القرآن لنفهم ما يصدر من رسولنا الكريم وأهل بيته الطاهرين وكذا غيرهم من الأولياء والعلماء، ونعتبره حقا فيما لو وافق الدلالة القرآنية ونتركه إذا لم يوافق أو لا دليل عليه من القرآن..
إنّنا بصدد منهجية للقراءة والتحليل تخصّ نصّاً، أبدعه الكامل المطلق في كماله الذي لا يحتاج إلى غيره المستغني بذاته عن مخلوقاته. ومن المعلوم أنّنا يجب أن ندرك كيفيّة إعجاز القرآن من تدبّر القرآن، وليس من إخبار الرسول (صلى الله عليه وآله) إيانا بذلك. فالهدف الأوّل أنْ يعرف ماذا أراد الله بقرآنه عبر قرآنه نفسه، فتكون نتائج المنهج ممثلة لقراءة داخلية للنصّ تعتمد هيكليته وتدوينه اللفظي بكلماته وآياته وسوره؛ وهوية تلك الكلمات وسماتها التي تكسبها موقعها في الآية. ويعزز هذا حرصنا على إبراز المنحى الذي استثمره القرآن من العربية ليكون له شبكة من الألفاظ لها دلالاتها الخاصة.
كما أنّ القرآن الكريم لم يكن منجزاً تابعاً للحظة التي أُنزل فيها أو للحضارة التي كتب بلغتها، فيكون أثرا لتلك الحقبة؛ وننزع إلى تبنّي بعض ما أحاط بنزول آياته، وولادة مجتمعه بل هو إبداع إلهيّ محضّ لكلّ الأزمان والحضارات، وكانت إرادة الله تعالى ألاّ يرتبط القرآن بلحظات نزوله بل يتجاوز ذلك ليعيش القرآن في كل مستقبله الآتي إلى أن يأذن الله تعالى بزوال الدنيا.
فهذا المنهج يرفض هذا الانتحاء الأيديولوجيّ، ويوجب أن تكون قراءة المدوّنة نابعة من المدوّنة نفسها، لا من خارجها، وإن كان هذا الخارج حديثاً نبويّاً أو حديثاً لأهل البيت (عليهم السلام) أو لأحد من السلف الصالحين من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وبعد ان أنهى الباحث الاسدي عرض رؤيته فتح باب المناقشات التي كانت عاصفة فكانت هناك مداخلات علمية من بعض الحاضرين ومنهم السيد الدكتور مهند جمال الدين والشيخ الدكتور باسم العابدي والاستاذ الدكتور مشكور العوادي وغيرهم.
1 Comment
نسأله تعالى التوفيق لكل خَدَمَة قرآنه العظيم.. ونعم المعركة تلك عندما تكون في سبيل فهم كتاب الله المجيد ..واعتزازنا بكل المداخلات والتساؤلات التي طرحت في المحاضرة.
سائلين الله تعالى التوفيق والسداد لكل الحاضرين ولكل القائمين على المكتبة الأدبية المختصة..
وكما ذكرنا في نهاية المداخلات أن كل ما تمّ ذكره في مداخلات الأخوة سيكون موضع اعتزاز ، وهو يصب في تطوير الأفكار وتدعيم المنهج لسد كلّ الثغرات التي يمكن أن توصل إلى نتائج غير صحيحة.