د. فاطمة العيداني- واقع.
19 شعبان 1445
1 آذار 2024.
ألفاظ العذاب في القرآن الكريم ( دراسة دلاليّة ) – ميثاق حسن عبدالواحد الصالحي.
رسالة ماجستير للباحث : ميثاق عبدالواحد الصالحي ، جامعة البصرة / كلية التربية للعلوم الانسانية، في العام 1430ه/ 2009م.
وقد تم تغيير عنوان الرسالة الى (الجمال التصويري لألفاظ العذاب في الأسلوب القرآني ) دراسة دلالية ، بعد طبعها كتاباً صدر عن دار الولاء ، بيروت –لبنان ، الطبعة الأولى عام 1441ه/2020م.
تقع الدِّراسة في ثلاثة فصول، يختص الفصل الأوّل منها بدراسة (لفظة العذاب الدنيوي)، بوصفها صورةً صوتية للحدث العذابي، وآلةً لإحداثه، ومضمونًا لمعاني الشِّدة والنقص والتضييق المترتبة عليه، ويقع في ثلاثة مباحث. أمّا الفصل الثاني الموسوم (ألفاظ العذاب الأخروي) فيدرس لفظة العذاب الأخروي، بوصفها صورةً صوتيّة للحدث العذابي، وآلةً لإحداثه، ومكانًا لوقوعه، وتعبيرًا عن معاني الألم والشظف والمعاناة المترتبة عليه، وخطابًا يوحي بتلك المعاني، أو يُلقي ظلالًا معنويّة، توضح كيفيّة حصولها، زيادةً عن كونها دلالة للانعكاس النفسي الحاصل بسببه، ويقع في ستة مباحث. أمّا الفصل الثالث الموسوم (فنية التعبير في بعض ألفاظ العذاب وخصوصيتَّتها) فيدرس لفظة العذاب من جهتين: الأولى بوصفها صورةً، تعتمد وسائل التعبير الفنيّة، في تجسيد الحدث العذابي ورسم أبعاده. ومن جهةٍ ثانيةٍ فإنّه يدرسها بوصفها لبنةً مميَّزة، في بناء السياق العذابي وطبيعةَ العلاقات، التي تربطها بأخواتها في السّياق، زيادةً على بحثه في أساليب عرض الحقائق الجزائيّة المرتبطة بها.
المصادر التي اعتمدها الباحث:
لقد كان القرآن الكريم معينَ الدراسة ومصدرها الأول والأخير، زيادة على إفادتها من كتب الإعجاز القرآني، مثل كتاب: (النكت في إعجاز القرآن) للرّماني (ت386هـ)، وكتاب (تلخيص البيان في مجازات القرآن) للشريف الرضي (ت406هـ)، وكتابيّ: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) لعبد القاهر الجرجاني (ت471هـ)، وكتب تفسير القرآن الكريم، مثل تفسير: (الكشاف) للزمخشري (ت538هـ)، وتفسير: (مجمع البيان) للشيخ الطبرسيّ (ت548هـ)، وتفسير: (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) لأبي السّعود (ت951هـ)، زِد على ذلك المؤلفات التي تعنى بالتصوير الفني في القرآن، مثل كتاب: (مجاز القرآن) لأبي عبيدة (ت210هـ)، ومؤلّفاتِ سيّد قطب: (التصوير الفني في القرآن)، و(مشاهد القيامة في القرآن)، فضلًا عن الدراسات والكتب التي تهتمّ بتلمّس سمات الإبداع والتفرّد في التعبير القرآني، مثل مؤلفات الدكتور فاضل صالح السّامرّائي: (التعبير القرآني)، و(بلاغة الكلمة في التعبير القرآني)، و(لمسات بيانيّة في نصوصٍ من التنزيل)، وكتب الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء): (الإعجاز البياني للقرآن الكريم)، و(من أسرار العربية في البيان القرآني)، و(التفسير البياني للقرآن الكريم)، وكتاب: (الإعجاز الفني في القرآن) للدكتور عمر السلامي. كما تشتمل قائمة المصادر على المؤلفات، التي تتخذ من الكشف عن مضان الحُسن والجمال، في النص القرآني طابعًا مميّزًا لها، مثل كتاب: (جماليات المفردة القرآنية) لأحمد ياسوف، وكتاب: (الظاهرة الجماليّة في القرآن) لنذير حمدان، والكتب التي تبحث في الأسس النفسيّة للنصّ القرآني، مثل كتاب: (القرآن وعلم النفس) للدكتور محمّد عثمان نجاتي، وكتاب: (القرآن وعلم النفس) لعبد الوهاب حمودة. والقائمة تطول.
النتائج التي توصل إليها الباحث:
♦ إنّ التعبير عن العذاب في القرآن الكريم عالمٌ أخّاذ، زاخرٌ بالقيم الدّلاليّة المتنوّعة، مليءٌ بالأخيلة والعواطف والأحاسيس، النابعة من صميم تشكّلاته الفنية الراقية وطبيعته اللغويّة المعجزة. إذ إنّ طبيعة التشكّل الفنيّ لمشاهد العذاب القرآني تمتلك مسحةً أدبيّة جماليّة، تتنازع ووظيفته الإبلاغية. فأبنيتها صيغٌ صرفيّة جذابة، تستثيرالفكر، وتجعله سابحًا في ظلالها وأخيلتها، وتتغلغل في مسارب النفس جاذبة إيّاها نحو روعتها وجمالها.
♦ تتخذ اللفظة العذابيّة – في بعض تشكّلاتها – صورةً صوتيّة للحدث العذابي، الذي تعبّرعنه. وذلك عندما تجيء على صورة، من صور التكرار المقطعي أو التضعيف الصوتي، أو تأتي مشتملة على أصوات مخصوصة، تناسب صفاتها الصوتية أصداء الحدث العذابيّ، وترسم أبعاده واقعيًا، فتجسّده خير تجسيد. وعند ذلك تشكل لفظة العذاب علاقة تساوق ومحاكاةٍ دلاليّة، بين عنصري الشكل والمضمون، توحي بظلال دلاليّة تزيد عن المعنى اللغوي وتتخذ منه منطلقًا لإيحاءاتها.
♦ تتسم دلالات العذاب الدنيويّ بكونها أبنية صرفيّة، تتجسّد – من خلالها – معاني العذاب المنقطع بالموت والهلاك والإبادة. على حين أنّ دلالات العذاب الأخرويّ تتشكل، على وفق أنظمةٍ لغويّةٍ مخصوصة، جعلتها مناسبة لمعاني العذاب الدّائم المستمر. زيادةً على ذلك فإنّ مضامين العذاب الدنيوي ومتعلقاته قليلة جدًّا، إذا ما قورنت بمضامين ومتعلقات العذاب الأخرويّ؛ ولعلّ السبب في ذلك هو انقطاع الحياة مع العذاب الدنيويّ، ودوامُها واستمرارها مع العذاب الأخرويّ. زِد على ذلك انسجام دلالات تلك المضامين ومعاني المجموعة، التي تنتمي إليها. ولعلّ في ذلك إشارة إلى أهميّة الحياة الآخرة، والتنبيه إلى ضرورة إعداد العُدّة لها.
♦ تتلوّن دلالات العذاب في القرآن الكريم؛ لتشكّل مساحة فكريّة واسعة، تغطي جميعَ جوانب الحياة الآخرة وأبعادها، التي تتصّل اتصالًا مباشرًا بالجنس البشريّ، بوصفه سببًا لوجودها. إذ تعدّ منظومة دلاليّة متكاملة، تتألف من أقسام دلاليّة فرعيّة، يمكن اعتبارها حقولًا دلاليّة جزئيّة، يختصّ كُلٌ منها بالتعبير عن جانبٍ من جوانب الحياة وتأدية نصيبه ضمنَ الدلالة الكليّة.
♦ البناء اللفظيّ لمشاهد العذاب في القرآن الكريم بناءٌ فنيّ متماسك الأجزاء، تتجلى فيه أسمى معاني الإبداع الخلاق والنظم المعجز. إذ تجيء ألفاظه متراصّةً متضامّة متآزرة، على صعيدي النظم والدّلالة؛ لتشكّل وُحدةً عضويّة حيّة، تنبض بالمعاني والدلالات التي تتناسب وموضوع العذاب، وتُجسّد طبيعته الترهيبية. فالصياغة القرآنية لمشاهد العذاب تعتمد سلسلةً من العلاقات البنائية، التي تتفاعلُ مع بعضها الآخر، فتتشابك الأساليب المنضوية تحتها؛ لتحدّد طبيعة البُعد العذابيّ المقصود.
♦ تستمدّ الصورة العذابيّة قيمتها الفنيّة من طبيعة التحليل، لعناصر التقابل المقصود، التي تحكم العلاقة بين اللغة الإيحائية واللغة المطابقة.
♦ تبدو صورة العذاب الاستعارية وكأنّها بؤرةٌ فنيّة، لتفرعات صوريّة تترتب عليها، بوصفها مركزًا للتقابل الفني المقصود. ومن ههنا تستمدّ قيمتها الفنيّة.
♦ تتخذ صورة العذاب التشبيهيّة طابعًا دلاليّا، يتّسم بالدقة والإحكام من خلال زيادة الإيضاح والتفصيل في طرف المشبّه به، بوصفه محور العمليّة الإبداعية؛ مبالغة في وصف صورة العذاب بالفظاعة والهول، وتفخيمًا لآثارها الساحقة.
♦ إنّ فلسفة العذاب الترهيبيّة لا تخلو من الحضّ والترغيب. وهذه الوظيفة الدلالية تتأتى من خلال استدعاء الصورة العذابيّة صورة النعيم الضديّة، وما تشتمل عليه من الأطايب والملذات، التي جسّدها الخطاب القرآني في صور وتعبيرات فنيّة بارعة، لا تقلّ روعة وجمالًا عمّا هو موجود في تجسيد الصورة العذابية. وإنّ السياقات القرآنية التي توظف التقابل الضّدي، بين صورتي النعيم والعذاب دلاليّا هي سياقات فنيّة راقية، تختزن في حناياها انفعالات ثانوية غير ملفوظ بها، تحتمها طبيعة التضاد بين مضامين الصورتين المتقابلتين، تتمثل في إسهام كل منهما في تقوية دلالة الآخر، وتعزيز وظيفته الإبلاغيّة.
♦ توظيف التشخيص والتجسيم وسيلتين من وسائل رسم الصورة العذابية يُسهم، في تعزيز الأثر الدلالي المقصود، عن طريق إعادة صياغة الموجودات العذابية صياغة فنيّة، تنسجم وغاياتِها وأغراضَها. إذ تتجلى الجمادات شخوصًا، تنطق، وتتنفس، وتتقطع؛ حنقًا وغيظًا وغضبًا. وتظهر المعنويّات الذهنية غير الملموسة أجسامًا، تمتلك أبعادًا ماديّة ملموسة وحركة متخيّلة، تشترك – بها – في إحداث المعاني العذابيّة وتجسيد آثارها.