واقع.
8 رمضان 1445
19 آذار 2024.
القراءات القرآنية ومرويّات الأحرف السبعة.
الأستاذ الدكتور عصام كاظم الغالبيّ – جامعة الكوفة.
القراءة في اللغة مصدر الفعل (قرأ) ، يقال : ” قرأ الكتاب قراءة وقرآنا … وقرأ الشيء جمعه وضمه ” ، أما في الاصطلاح فحدودها كثيرة منها أنها ” وجوه مختلفة في الأداء من الناحية الصوتية أو التصريفية أو النحوية ” ، ومنها أنها ” علم يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل وغير ذلك من هيأة النطق والإبدال وغيره من السماع”
ويرى أبو عمرو الداني أن ” َوجه هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الْقُرْآن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعرض الْقُرْآن على جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي كل عَام عرضة فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الَّذِي توفى فِيهِ عرضه عَلَيْهِ عرضتين فَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْخُذ عَلَيْهِ فِي كل عرضة بِوَجْه وَقِرَاءَة من هَذِه الْأَوْجه والقراءات الْمُخْتَلفَة وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْقُرْآن أنزل عَلَيْهَا وَإِنَّهَا كلهَا شاف كَاف وأباح لأمته الْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا مَعَ الْإِيمَان بجميعها وَالْإِقْرَار بكلها إِذْ كَانَت كلهَا من عِنْد الله تَعَالَى منزلَة وَمِنْه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْخُوذَة ”
وفي كلامه هذا من الادّعاء ما لا يثبت في الوقائع التاريخية ولا يصمد أمام البحث العلمي ، كما أن في كلامه هذا ما يوحي بأنّ الأحرف السبعة هي القراءات ، في حين لم يتفق العلماء في معنى الأحرف السبعة ، مع فرض صحّة ورود حديثها عن رسول الله (ص) ، بل ذكروا فيها آراء كثيرة وأُلِّفت فيها كتبٌ مستقلة ، وخصّص لها البخاري بابا سمّاه (باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) روى فيه حديثا عن ابن عباس قال فيه ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ” ، وكلاما عن عمر بن الخطاب يقول فيه : ” سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرِئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ ، قال : أقرأنيها رسول الله صلى الله وسلم ، فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقرِئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسله ، اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلك أنزلت ، ثم قال اقرأ يا عمر ، فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه” .
والملاحظ في الرواية الثانية أن كلا المختلفَينِ في القراءة ينتميان إلى مكان واحد ، فكلاهما قرشيٌّ ، وكلاهما من مكة ، فما الداعي لاختلافهما في القراءة إذا كانت الغاية من القراءات التسهيل على أصحاب اللهجات المختلفة باختلاف قبائلهم .
ثم إن الطريقة التي تعامل بها عمر بن الخطاب مع هشام بن الحكم تدلّ على أن لا علمَ لعمر بأن الرسول الأكرم كان يُقرئ صحابته بقراءات مختلفة مع أنه يسكن في المدينة المنورة ، ولو كانت فكرةُ إقراء الرسول الأكرم صحابته كلًّا منهم بطريقة معينة وبألفاظ متعددة شائعةً في ذلك الوقت ومعروفةً لدى الصحابة لما اعترض عمر على هشام بن حكيم حين سمعه يقرأ بطريقة مخالفة لطريقته .
وثمة أمر ثالث فيها وهو أن هشام بن حكيم أسلم يوم فتح مكة ، وقيل بعد فتح مكة ، فهل أقرأه الرسول الأكرم حين فتح مكة أو أنه هاجر إلى المدينة فالتقى الرسول وأخذ عنه القرآن ، ويبدو من خلال ما روي عن عمر أن الحادثة حصلت في المدينة بدليل أن عمر أخذ هشاما إلى الرسول واحتكما عنده ، لذلك في هذه الرواية ما فيها من الإشكالات وليس من سبب مقنع يدعونا لأن نقبل بها على علاتها .
وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما ينفي أن يكون القرآن قد أنزل على سبعة أحرف ، من ذلك ما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : ” إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة ” ، ومنه أيضا ما روي عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام (ويعني الإمام الصادق) : ” إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال : كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ” .
ولا أدري كيف وفّق أبو عمرو الداني ومن وافقه من العلماء والباحثين بين مرويّات السبعة أحرف والقراءات ، ولعلّ الذي دعاهم إلى ذلك هو أن ابن مجاهد جمع سبع قراءات في كتابه المعروف بالقراءات السبع ، وسؤالي هو ماذا يقول هؤلاء الباحثون لو أن ابن مجاهد قد جمع أقل من هذا العدد أو أكثر ، وكيف يؤوِّلون قول من ذكر أن القراءات عشر أو من ذكر أنها أربع عشرة ؟؟!!