واقع.
9 رمضان 1445.
20 آذار 2024.
رسائل من القرآن الكريم .
الأستاذ الدكتور شلتاغ عبود.
(وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان : 74
الامامة : القيادة :
———————-
كثر ذكر المتقين والحديث عنهم في القران ، حتى حسبنا أنهم المجموعة التي تتصف بأعلى الصفات وأعظمها ، وأنه لا مجموعة من الناس اقرب إلى الله
منهم ، ولكن قوله تعالى : (واجعلنا للمتقين اماما ) يجعلنا امام مجموعة اخرى هي اعلى من درجات المتقين ، فمن هم اولئك الذين هم اعلى من المتقين درجة ومقاما عند الله ؟
واضح انهم ائمة المتقين من الرسل والأوصياء والذين يدعون الله ان يجعلهم قادة للناس بما يصلح دينهم ودنياهم (واجعلنا للمتقين اماما ) . انهم الفئة التي تدير شؤون المتقين ، لان إمامتهم
للمؤمنين هي قيادتهم ، ولن تكون هذه القيادة إلا بمواصفات معينة ، وان من يضع نفسه في هذا الموضع يجب عليه ان لا يفعل بعض المحددات التي يفعلها المؤمنون بل والمتقون ، وعليه من الواجبات ما تفوق الواجبات المفروضة على المؤمنين والمتقين !
ان من ندب نفسه إلى هذا المقام الذي دعا إبراهيم ربه ان يحله إياه ، فاستجاب له : (… قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ )(1) ،فقد ارتقى عظيما ! وعليه ان يعد نفسه لهذا المقام اعداداً ، ليس كمثله اعداد ، لانه جعل نفسه أنموذجا يحتذى ، ورمزا يقتدى ، ومعلما به يهتدى ، فما يعد مباحا لغيره لايعد مباحا له ، بلحاظ موقعه ، وبلحاظ العنوان الثانوي ،
اي المقام الذي ندب نفسه اليه ، واستجاب له ربه فأحله محله .
ان مفهوم القيادة يجعلنا وجها لوجه امام معنى الطموح الإنساني الذي لا حدود له ، فكل مقام فيه يعلوه مقام آخر ، ولكن هذا الطموح لا ينبغي ان يبلغ درجة (الغرور) الذي يقابله معنى (الضمور )، فعلى من يسابق من اجل تحقيق هذا الطموح سواء في المواقع المعنوية والدينية ، او المواقع والمناصب الدنيوية ، ان ينظر إلى مواهبه وقدراته ، وان لا يتصرف إلا بما يتناسب وتلك المواهب والقدرات . نعم ان من حقك ان تطمح إلى ماشئت من الطموحات ، شريطة ان تنظر إلى امرين : احدهما ان تتناسب تلك الطموحات وقدراتك الجسدية والمعنوية والفكرية والقيادية ،
والثاني ان تكون أهداف ذلك الطموح أهدافا إنسانية إيمانية وليست أهدافا ذاتية مصلحية ،
وهذان المحددان هما اللذان يجعلان لطموحك معنى من اعلى المعاني وأسماها ، وأقربها إلى التوفيق الالهي من خلال استجابة الدعاء ، وكيف يستجيب الله دعاء من لا يتحقق في طموحه ودعائه هذا الشرطان ؟!(2) .
ومما يقال في هذا المجال انه ان لم يكن المرء أكبر من الموقع الذي يطمح اليه ، فلا اقل من ان يكون بحجمه مستواه . اما إذا لم يكن لا بهذا ولا بذاك ، فتلك هي ( الحالقة )التي تورد العباد المهالك ، وتجعلهم يوم ( الحسرة ) اكثر الناس حسرة !!
————————
1- البقرة : 134
2- (اللهم إن كان في هذا الأمر خير لي فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى فيسره لى وإن كان في هذا الأمر شر لي فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى فاصرفه عنى، ويسر لى الخير أينما كان ثم ارضنى به)
وينظر كذلك دعاء الاستخارة في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين .