واقع- قراءة الشيخ الدكتور باسم العابدي.
20 شعبان 1445.
2 آذار 2024.
الرمز في قصة إبراهيم (بحث يستكشف الإشارات الرمزية في القصص القرآني)
المؤلف: الشهيد المهندس أحمد العبيدي.
تحدث الباحث الشهيد أحمد في كتابه عن الإمامة في القرآن ودورها المركزي بالنسبة للرسالة وانطلق من قوله تعالى: { يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وذهب الباحث الى إن القرآن الكريم مثلما ذكر الإمامة وأشار اليها بالتصريح في بعض المواضع فإنّه ذكرمصاديقها وامتداداتها على نحو الرمز والإشارة , وهذا مادعا الباحث للذهاب الى ضرورة استنطاق القرآن في هذه المسألة , وجعل لهذا الاستنطاق مجموعة من المنطلقات كانت عبارة عن مفاتيح للبحث في هذه المسالة , وهذه المفاتيح هي:
- النظر الى القرآن نظرة شمولية , أي النظر اليه كحقيقة واحدة متكثرة في آيات وألفاظ ومع أنه بهذه الكثرة من الآيات والكلمات إلا أنه لايقع فيه التناقض والاختلاف ومن هنا يفهم قوله تعالى:( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
وعليه فالاكتفاء بالقراءة التجزئيية للقرآن الكريم تعيق الاستنطاق التام , ويبقى فهم القرآن ناقصا غير مدرك لروح القرآن الكريم وحقيقته.
- الحرص على عدم خروج الاستنطاق عن محيط حملة القرآن الكريم , وهم أهل بيت الرسالة صلوات الله وسلامه عليهم استنادا الى حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي , أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض , وعترتي أهل بيتي , ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وفي عبارة ( لن يفترقا) دلالة على تلازم الثقلين , وعدم الإفتراق بينهما , وهذا فيه اثبات لأمور:
الأول: إن فهم القرآن الكريم على نحو الحق واليقين لايتحصل إلا منهم , ولا يصدر من غيرهم أو يعود الى سواهم , وهو مفاد قوله تعالى: ( لايمسّه إلا المطهرون).
الثاني: إن آيات الكتاب بمجموعها لاتعدل عنهم معنى ودلالة ومقصدا , فأينما نقرأ في القرآن نجدهم , وهذا ظاهر في عبارات أحاديثهم التفسيرية.
الثالث: إن القرآن الكريم لايمكن أن يفقد خاصيته , وكونه حيّا غضّا طريا , فهو لايبلى بمرور الأزمنة , ومن ميزاته أنه تبيان لكل شيء , ومادام كذلك فهو محفّز على التدبر والتأمل والتفكر , ومن موارد التدبر والتفكر : التدبر والتفكر في القرآن الكريم نفسه لأن عجائب القرآن لاتنقضي , وغرائبه لاتنفد , وأسراره لاتحاط , ولو انقضت أسراره ونفدت عجائبه , وشحّت غرائبه لبطلت دعوة التفكر فيه.
وبذلك جاء القرآن عميقا في معانيه , منها مابيّنها وصرّح بها , ومنها ما أخفاها ولمّح لها, وهذا أحد مقتضيات عمقه وشموله وتبيانه لكل شيء.
ثم بدأ الباحث بحثه بالاستشهاد بالآيات (84- 111) من سورة الصافات التي تبتدأ بقوله تعالى: (وإ، من شيعته لإبراهيم …… سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين* إنه من عبادنا المؤمنين).
تحدث الباحث عن محنة إبراهيم عليه السلام مع قومه , وتعاطيه معهم الذي اتخذ مسارات متعددة منها الحوار, ومنها الاحتجاج , ومنها التبكيت , ومنها المواجهة , وفي هذه الحال كان إبراهيم عليه السلام يرتقي مراتب الصعود ( عبد, نبي, رسول, خليل).
وبعد أن طوى إبراهيم وإسماعيل مسيرة صعبة وعسيرة بدأت الحركة التاريخية لتشييد مظهر الإسلام الظاهر, وبناء الكعبة المشرّفة الذي لايعني في حقيقته وضع أحجار فوق بعضها , وإنما هو تأسيس لأمر غاية في الأهمية , فهما يرفعان صرح عقيدة التوحيد , وإثبات أسس الإسلام , وكان هذا البناء تحت نظر الله سبحانه , وبأمر منه , ولذلك تجدهما يدعوان الله أن يتقبل منهما { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) .
ثم تلت مرتبة بناء البيت مرتبة تطهيره إذ جاء الأمر بتطهير البيت { طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).
يشير الباحث هنا الى وجود معنيين في الآية , معنى ظاهري وهو هذا البيت المعروف – الكعبة- , ومعنى رمزي وهو القلب , والدعوة لتطهير القلب من الشرك حينها يضج القلب والكعبة بالعبادة.
ثم يتناول الباحث مسألة الابتلاء الكبير لإبراهيم وإسماعيل , وعملية الذبح والترقّي نحو الكمال وبلوغ المرتبة القصوى للإسلام بذوبان الاثنين معا في الأمر الإلهي والخضوع التام لكل منهما على نحو الاستقلال , فإبراهيم عليه السلام يسلم بقطع كل علاقة له بغير الله تعالى , فيما يسلم إسماعيل بإفناء ذاته في طاعة الله تعالى.
بعد ذلك تناول الباحث المراحل التي طواها إبراهيم عليه السلام من الابتلاء الى التسليم الى الاصطفاء الى الإمامة ثم الاختيار من ذرية إبراهيم ممن يتحقق فيهم دوام الاسلام بمعناه الإبراهيمي , وهم محمد وآل محمد , فهم من سأل لهم الإسلام ثم الإمامة في قوله تعالى( ومن ذريتي).
ذم عرج الباحث على الرمزية في إسماعيل الذي كان من أول وجوده محورا للإبتلاءات التكاملية حتى توج بجعله مع أبيه عليهما السلام إماما ,وكان رمزا لجميع محطات حج ابراهيم ومراحله لأنه المحور فيه.
وخلص الباحث الى إن رمزية إسماعيل للإسلام بانقسام ذرية إبراهيم على شعبتين :إحداهما تمثلت بإسحاق لتكوّن تاريخا نبويا انتهى بعيسى عليه السلام , ولم يضمن بمجموعه كمال الإسلام وإنما ظل ينتظر التكميل.
أما الشعبة الاخرى فهي شعبة إسماعيل التي لم تتوقف في حركيتها نحو الخلافة الالهية وهذا يرمز الى وجود خفي لدى اسماعيل عليه السلام يتحقق فيه كمال الدين وهو وجود محمد وعلي وأبنائهما صلوات الله وسلامه عليهم.