وقفة مع الدكتور فاضل السامرائي في لمساته-الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي.
أكثر المشتغلين بالبحث القرآني واللغوي يثنون على الدكتور فاضل السامرائي ويتفقون على مكانته في الأوساط العلمية والأكاديمية ويشيدون بمنتجه المعرفي وهو – بحق- قامة علميّة تستحق الإشادة والإحترام إلا إنه كغيره من البشر غير المعصومين يعتوره السهو والنسيان والإشتباه فالدكتور السامرائي في بيانه لقوله تعالى: ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) ( الواقعة: ٧٩). ذهب – على نحو الجزم والقطع – الى إنحصار معنى المطهّرين بالملائكة ؛ وقال بضرس قاطع : ( الإنسان ليس مطهرا ؛ قد يتطهر ؛ ولكن ليس مطهّرا فالمطهّرون هم الملائكة حصرا) !
ويرد على الدكتور السامرائي بردود من جملتها :
١. أغرب الدكتور السامرائي حين قال: إن صيغة (المطهّر) منحصرة بالملائكة , وسها عن آيات أخرى تصرّح باستعمال الصيغة في غير الملائكة , ومنها قوله تعالى : { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب: ٣٣.
جاء في الدر المنثور في تفسير هذه الآية إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ( أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب) ( الدر المنثور : ٦: ٦٠٦). فكيف يقول الدكتور السامرائي بانحصار اللفظ بالملائكة مع إنّ الاستعمال القرآني دلّ على خلافه بالنص؟!.
بل ورد استعمالها للدلالة على غير المعصومين أيضا في مثل قوله تعالى: { وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} البقرة : ٢٥، وقوله تعالى: { وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّـهِ} آل عمران: ١٥.
ومع أن الجنّة هي متعلق اطلاق اللفظ هنا إلا أن ابن رجب الحنبلي تبنّى رأي ابن جرير في حصوله في الدنيا أيضا , وبما يرتبط بالطهارة المادية ؛ فقد جاء في تفسيره قوله: ( المطهّرة : التي لاتحيض؛ قال: وكذلك خلقت حوّاء عليها السلام ) ( تفسير ابن رجب: ١: ١٠٤) فقد عبّر عن المرأة التي لاتحيض بالمطهّرة , ولم يعبّر عنها بالمتطهّرة أو الطاهرة مثلما عبّر الدكتور السامرائي عن مثل هذه الحالة.
المفارقة أن الدكتور السامرائي استدل بقوله تعالى: { مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} عبس: ١٤ ؛ على مذهبه في حصر استعمال اللفظ بالملائكة مع إنّها بنفسها دليل على خلاف ماذهب إليه لأنّ الوصف جاء لشيء آخر غير الملائكة وهو الصحف , فإذا صح أن توصف الصحف بالمطهّرة صح أيضا أن يوصف بعض الخواص من الناس بالمطهّرين , وبذلك لم ينحصر استعمال اللفظ بالملائكة.
وعليه فلامحل لقول الدكتور السامرائي بالحصر .
٢. ثم أن الدكتور السامرائي نفى استعمال المفردة في الطّهارة الحسّية بخلاف ماذهب إليه بعض المفسّرين الذين لم يبعدوا استعمالها في هذا المعنى مثلما ذكر ابن رجب الحنبلي .
فلو استعمل اللفظ في الطهارة البدنية ؛ ويساعد عليه اعراب (لا ) في (لايمسّه ) على أنها ناهية حينئذ تنتفي الخصوصية ؛ وتحمل (المطهّرون) على معنى المتطهرين.
٣.ذهب بعض أساتذتنا الى التفريق في معنى الآية بحسب عود الضمير في ( يمسه) فيما كان يعود على الكتاب المكنون أو على القرآن الكريم ؛ ورتّبوا على هذا عود الضمير هذا أثرا علميا من جهة طبيعة المس ؛ فإذا كان الضمير يعود على القرآن الكريم فيحمل المس على المس الظاهري ؛ ويتطلّب الطهارة البدنية ؛ أما إذا عاد الضمير على الكتاب المكنون -وهو الأقرب – فيأتي المس في هذه الحالة بمعنى العلم والفهم بحقيقة القرآن الكريم ؛ ويتوقف على الطّهارة الباطنية ؛ وهذا لايتحصل إلّا للخواص الذين طهّرهم الله تعالى من الأرجاس والأدناس.
٤. خلاصة القول إن الاستعمال القرآني للمطهّرين في آية سورة الواقعة لايختص بالملائكة فقط وإنّما يطلق على من طهّرهم الله تعالى من الرجس وهم محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .