
تحرير النزاع في مسألة تقديم الوقف على الابتداء.
يتداول المهتمون بالشأن العلمي بحثا أضفى عليه بعضهم نوعا من الجدل غير المستند الى علم أو دليل.
ويدور البحث في أيهما أولى بالتقديم في مصطلح ( الوقف والابتداء ) فهل الحق أن يقال: (الوقف والابتداء) أم ( الإبتداء والوقف)؟
أحاول في هذه المقالة بيان هذه المسألة مستعينا بالله تعالى فأقول:
يعد علم الوقف والابتداء من العلوم التي اشتغل عليه العلماء والمحققون القدامى والمعاصرون , وحرروا مسائله ودققوا مصطلحاته , وحقّقوا ألفاظه ومنها عناوين موضوعه التي وضعوها في قوالب الألفاظ , وكانوا ملتفتين الى دلالاتها وانطباقاتها إلّأ أنّ تحقيق العلماء وبحثهم وتحريرهم للمسائل لايسد باب التفكير , ولايغلق منافذ المراجعة المعرفية , ولا يمنع القراءة البحثية للمصطلحات والافكار , ولا يقطع الطريق على الرؤى النقديّة على أن يكون الباحث والناقد مالكا للأدوات النقدية , وواقفا على اختصاصات العلوم واستعمالات المصطلحات , فالمصطلحات تختلف استعمالاتها بحسب العلوم , وتتفاوت بحسب الجهة , فالمصطلح الواحد يختلف عند الأصولي عنه لدى الفقيه , وهكذا لدى الفيلسوف , ولدى النحوي .
اذا عرفنا ذلك نأتي على موضوع الوقف والابتداء , وتقديم الوقف عليه , وأسباب ذلك فنقول:
- الابتداء أحد المصطلحات التي تعددت معانيها بتعدد جهاتها , وهي بنفسها تعطي معنى مختلفا , فالابتداء العرفي غير الابتداء الحقيقي , وهذا غير الابتداء الإضافي وغير الابتداء النحوي , وغير الابتداء لدى علماء التجويد.
- لاشك أنّ الابتداء الحقيقي هو المقدم رتبة ووجودا على غيره , يقول الباجوري: (الابتداء الحقيقي ماتقدم أمام المقصود ولم يسبقه شيء).
- إن الابتداء المذكور في مدونات علماء الوقف والابتداء ليس هو الابتداء الحقيقي , ولا أنه مطلق الابتداء حتى يشمل أقسام الابتداء جميعها ومن بينها الابتداء الحقيقي الذي هو مقدّم في الرتبة والوجود على الوقف , وإنّما هو الحصّة الخاصّة الناتجة عن الوقف والمترشحة عنه , أو المتعلق به والمضاف اليه , وهو مصطلح أهل الصناعة والفن , أي علماء تجويد القران الكريم , وليس علماء الأصول والفقه وأمثالهم.
- الغالب في بحوث الوقف والابتداء من جهة بيان المعنى هو الوقف لأنّه يرتبط بتقطيع النص وتفكيكه وتفصيله , وهو يحتاج الى مزيد علم حتى قال عنه ابن مجاهد: (لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نَحْويٌّ عالم بالقراءات، عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن) .
وقال النكزاوي: (باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن).
فهؤلاء العلماء لم يقولوا: (لايقوم بالتمام في الابتداء) وعدم قولهم ذلك فيه دلالة على أصالة الوقف وأهميته لاسيما عند علماء الوقف والابتداء.
- تعريف العلماء للابتداء بأنه: (الشروع في القراءة، والاستئناف بعد قطع، أو وقف) يكشف عن منحاهم في دلالة المصطلح , وهو أنّ الابتداء لاحق للوقف ومقيّد به , وليس المقصود به الابتداء الحقيقي المجرد..
- ساوى بعض العلماء ومنهم النحاس في كتابه ( القطع والائتناف) بين الابتداء وبين الاستئناف أو الإئتناف , وهذا يكشف عن أنّ معنى الابتداء في مصطلح ( الوقف والابتداء) هو استئناف القراءة بعد الوقف , وليس مطلق الابتداء فيكون الوقف مقدما عليه في هذه الحال.
- من موارد ترجيح تقديم الوقف إنّ الابتداء الاضطراري المخل بالمعنى لايكون إلّا بعد الوقف فلا يتصور أنّ قارئا يبدأ التلاوة بابتداء اضطراري مخل بالمعنى بعد معرفته له في حال أنّه يمكنه الوقوف وقفا اضطراريا غير مناسب مع معرفته بمخالفة الوقف للمعنى , وهذا يحصل إمّا بسبب انقطاع النفس أوبغيره , وهذا كاشف عن تقدم الوقف وتاثيره وتفرع مسائله اكثر من الابتداء.
8. عند مراجعة مصطلحات اللّجان العلميّة المشرفة على طباعة المصاحف نجد أنّ هذه اللجان وضعت علامات في نهاية المصحف اسمتها علامات الوقوف وفي هذا دلالة على أنّ الموضوع الذي يعتنى به في هذه العلامات هو الوقف أولا ثم ماينتج عنه