
القران الكريم ضد ثقافة التزوير – الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي.
التزوير كما ذكر ابن فارس أصله من (زور) ويدل على الميل والعدول ؛ لأنه يعدل عن طريق الحق ؛ ويحول دونه( ينظر: ابن فارس: مقاييس اللغة: ٣: ٣٦).
والتزوير في الإصطلاح: ((تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل الى من سمعه أو رآه أنه خلاف ماهو به وهو بذلك تمويه للباطل بما يوهم أنه حق)) ( ينظر: الصنعاني: سبل السلام: ٤: ١٣٠).
وللتزوير مصطلحات مقاربة منها: التمويه ؛ التدليس؛ الكذب؛ التحريف؛ الغش؛ التزييف؛ التلفيق؛ تزيين الكذب؛ قلب الحقائق ؛ تبديل الوقائع ؛ تشويش الأذهان برسم صور مزيفة للأحداث ؛ ولذلك عدّ التزوير من الأمراض والآفات الإجتماعية التي اهتم القرآن الكريم بمعالجتها بوصفه كتاب هداية أنزل لصناعة الإنسان ؛ وردم المطبات التي تقلق مسار البشريّة الطويل؛ وإزالة النتوءات التي تشوه مظهر الإنسانيّة الجميل عن طريق الكشف عن الفئات التي تشتغل على تخريب مسيرتها الصالحة.
وهذه محاولة لإستكناه دلالة بعض النصوص القرآنية في هذا الباب , ولست بصدد حصر الآيات التي تناولت هذه الفئة الإجتماعية (فئة المزوّرين والمحرّفين) , فالآيات التي تناولتها في بعديها المادي والمعنوي كثيرة ؛ أشير الى بعضها تاركا البحث مفتوحا لمن أراد الغور في خزائن القرآن الكريم والغوص في محيطاته :
١. نبّه القرآن الكريم على أن بعض الناس يمتهنون تحريف الحقائق بلي رؤوس الألفاظ وتحريف الكلام: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ). وهذا يستدعي التأمل في ماوراء الألفاظ وعدم الإنسياق وراء ظواهر الكلام.
٢. أشار القرآن الكريم الى جماعة يخترعون الأحكام ويضعون القوانين على وفق أهوائهم وميولهم الشخصية بما يعد تزويرا للحقيقة ومجافاة للحكمة:(وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ).
يقول صاحب تفسير الأمثل: (الأعجب من ذلك أنّهم لم يقنعوا بتلك الأحكام الفارغة، بل راحوا ينسبون إلی اللّه كل ما يخطر لهم من كذب افْتِراءً عَلَيْهِ).
٣. المزورون يشتغلون على إلقاء الشبهات في أذهان الناس والتشكيك بعقائدهم: (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟).
٤. المزورون للحقائق ينكرون مواقفهم وأقوالهم , بل ويعزّزون تدليسهم على الحقيقة بالقسم بالله تعالى للتغطية على كذبهم : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).
٥. يبتكر المزوّرون والمدلّسون الحجج الواهية والذرائع الساقطة , ويمارسون الكذب لإيهام الآخر وجعله يصدق مدّعاهم : ( قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ).
٦. هناك من يدعي ماليس له , ويجانب الحق بالقول , ويجافي الحقيقة بالفعل , ثم لايقبل من الناصح إرشاده ونصيحته له , وتنبيهه على عوراته ويصر على مدّعاه ويجادل عليه : ( وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ). وهذا الإدعاء تزوير للحقيقة وتحريف للواقع .